نهتم به بعد مباركة الغرب
ندوة تجيب.. ماذا ننشر من التراث؟
ضمن ندوات الموائد المستديرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب أقيمت ندوة "ماذا ننشر من التراث" شارك فيها الكاتب محمد السيد عيد والدكتور يوسف زيدان مدير المخطوطات بمكتبة الإسكندرية وحسين البنهاوي رئيس التحرير بهيئة الكتاب.
في البداية قال محمد السيد عيد أن مصر لم تعرف التراث بالمعنى الحديث إلا بعد دخول المطبعة إليها ودخلت المطبعة إلي مصر مع دخول الحملة الفرنسية ثم أنشأ محمد علي المطابع الأميرية وكان هدفها جمع ما يمكن جمعه من أجل ألا يضيع وكان هناك مصممون في المطابع الأميرية ويشرفون علي مطابع الكتب وقاموا بمراجعة النسخ وإكمال النواقص والتصحيح اللغوي.
وأضاف أن هناك شخصيات كان لها تأثير في هذا المجال من أهمها الشيخ قطة العدوي والشيخ الشقنقيهي وظلوا ينشرون الكتب وتحقيقاتها وكانت الكتب تدخل إلي المطبعة بأمر الخديوي الذي يحكم البلاد، إضافة إلي ذلك فإن التحقيق بالمعنى العلمي الذي نعرفه الآن لم يظهر إلا مع جامعة القاهرة والمبعوثون للخارج خاصة بعد عودتهم حيث بدأوا عملية تحقيق بالشكل الحديث وجاء بعدهم تلاميذ عرفناهم أمثال عثمان بدوي وكمال أمين وغيرهم أمثال الدكتور جمال الشيال ود.الحجري الذي اهتم بالجاحظ .
وأشار عيد إلي انه الآن أصبح توجد مفاهيم تتعلق بخدمة النص ففي كل فترة كان النشر يخضع لمعايير معينة في البداية كان لحفظ التراث، ثم جاء المترجمون لكن نلاحظ أن الأدب كان له النصيب الأكبر من الترجمة.
أوضح الدكتور عيد إننا لم نعنى بالتراث عناية فعلية هامة إنما كانت هناك أهواء شخصية، وحتى الآن لا يوجد في مصر من يعرف عدد المخطوطات برغم كل الجهد المبذول في السنوات الأخيرة. وأضاف: ان لكل دولة معايير حسب توجهاتها فالدولة لها دور فيما ينشر من التراث فنجد السعودية مثلا لا يمكن أن تنشر كتابا عن التصوف لأنه ضد توجهاتها ولكن هذا التوجه قد يتغير من فترة إلي أخرى ، أيضا المؤسسة التي تنشر هذه الكتب لها دور من حيث إذا كانت تعنى بالكتب العلمية او الدينية وتنشرها كما أن الأشخاص لهم دور مهم، وبالإضافة إلي ذلك فإن هناك عوامل عديدة تتدخل في اختيار النص التراثي الذي ينشر منها اقتناع المحقق نفسه.
تربص بتراث العرب
في كلمته أشار الدكتور عبد الحكيم راضي أن تاريخنا هو تراثنا بطبيعة الحال وهدف أعدائنا هو القضاء علي التراث..قائلا:
مثلُ القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عيا في الناس انتسابا
ويضيف: أتذكر أن الشيخ حسين المرصفي في كتابه قال أن الحاضر هو نتاج الماضي والمستقبل نتاج الحاضر والتراث قد يؤثر إيجابا أو سلبا فهو بطبيعة الحال عقل الأمة وتاريخها وقناة تسجيل التراث قد تختلف والشعوب الجيدة هي التي تحافظ علي تراثها وأن تعرف تاريخك وتراثك ليس معناه أن تقلده ولكن أن تنتقي الإيجابي وتبتعد عن السلبي.
واوضح إننا لا نحترم أنفسنا ولا تراثنا اللغوي إلا إذا حصلنا علي إجازة من الآخرين، وذكر أن نعوم تشومسكي عندما كتب في مقدمة أحد مؤلفاته "أنه يكن احتراما وتقديرا للصرح اللغوي عند العرب" فكأننا حصلنا علي المباركة من هذا اللغوي الكبير وتلك هي الفاجعة.
اسواق شعبية تعكس التراث
وأضاف أن التراث موجود ولكننا نحاوره وتتغير نظرتنا إليه فنجد مثلا سيبويه في فترة من الفترات قالوا عنه: تحيا اللغة العربية ويسقط سيبويه لكنه الآن يدرس في نظريات الأدب ، فبعض ما كتب تكون له قيمة خالدة وممكن قراءته في كل العصور وواجبنا نحو التاريخ أن نستفيد منه ونتحاور معه.
وأضاف: في العصر المملوكي وجدت مخطوطا يؤرخ لأحد سلاطين المماليك وهو يعلم الحاكم! وهو أمر لا يمكن حدوثه الآن فمن يستطيع أن يتدخل في عمل الحاكم.
وأكد أنه ليس هناك اختلاف في قيمة التراث ولابد أن نستفيد من قيمته وطرق الاستفادة عديدة..فأرى أن التراث هو المادة الخام الذهب الذي لا يمكن الاستغناء عنه فالتراث هو ماضينا.
الإسكندرية هي البداية
أما الدكتور يوسف زيدان أوضح أن تحقيق التراث إنتاج اسكندراني الأصل فلم نعرف تحقيق التراث إلا في الإسكندرية..
ولا يمكن أن يقال أن التراث العلمي موقوت بوقت محدد فابن سينا هو أول من نظم المعرفة الطبية واستطاع تأليف عمل متكامل يتخلص من الخرافة نهائيا فالعلم منهج وأسلوب تفكير ولا يوجد فيه موقوت ولا يمكن تقديم نظرية مبتكرة بدون دراسة فالعلم منهج فقط وليس اكتشاف.
وتساءل د. زيدان: ماذا ننشر من التراث؟ موضحا أن ما ينشره الفرد غير ما ينشره الباحث والأفراد غير المؤسسة فلا يظن أحد أن سيبويه والبحتري وابن سينا تراث عربي فقط لكن التراث متداخل لدرجة يصعب فيها المدقق أن يفصل بين ما هو عربي أو يوناني أو فارسي..!.
كما أوضح أن فهارس المخطوطات لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة وكأن العمل التراثي في بلادنا لم يشق طريقه بعد وكأنه سير حاطب ليل فنجد بذور اللغة العربية نشرت في اوروبا قبل أن يتم نشرها في مطبعة بولاق بعشرين عاما.