كلنا كأمة عربية في «الهم سواء». الآلام والمعاناة التي تصيب عضوا في جسد الأمة، توجعنا جميعا. إذا اشتكى منا عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، مصيرنا واحد ومستقبلنا واحد. وحاضرنا نتقاسم آلامه وجراحه وأوجاعه. ومادمنا في قارب واحد تتقاذفه أمواج المكائد والمؤامرات ونقاومها في ثبات حتى ولو في صمت، فلا نظن أن أحدا سيطلق نغمة نشاز في اتجاه مضاد ومعاكس، لينفرد بموقف قد يضر بصالح كل الأمة.
لا نظن أيضاً أن هناك عربياً سواء كان في موقع المسؤولية أو مواطنا عاديا، يقبل بأية خصومة بين أبناء الأمة التي تعيش بلا مبالغة، أصعب عصورها. تواجه تحديات ومخاطر تحاصرها من كل جانب.
من منا يقبل أن يظل شعبنا العربي في فلسطين المغتصبة، محاصراً في ظل احتلال ينتهك يوميا كافة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية؟ ومن منا راض عن حال العراق المنكوب الذي حرم أهله من نعمة الأمن على مدى أكثر من أربع سنوات؟ بل ومن منا لا يأمل في إزالة حالة الاحتقان السياسي التي يعيشها لبنان، الذي كنا نتباهى لعقود طويلة باستقراره وانفتاحه على العالم، وقدرته على استيعاب كل الأطياف والمذاهب في ود ومحبة وسلام؟
هموم الأمة لا تحتمل الخصام والشجار والتراشق. إن انطلقت عبارة جارحة من هنا أو هناك، فإنها تؤذي مشاعر الجميع. مشاعر كل أبناء الأمة التي وان كانت تعيش في محنة، فإنها إن عاجلا أو آجلا ستزول كبواتها وتنهض من جديد.
مشكلتنا نحن العرب، أننا في ظل المحن والنكبات، اعتدنا أن نتلذذ بجلد الذات. نصوب السهام على أنفسنا، ونطلق الصرخات على ما وصلت إليه أحوالنا. قبل ربع قرن مثلا، رددنا نفس العبارة التي أطلقها علينا الآخرون ثم صرنا نتهكم بها على أنفسنا. كانوا وكنا معهم نقول كلما انعقدت قمة عربية« اتفق العرب على ألا يتفقوا». قول غير صحيح، حتى صار خطأ شائعا، أو بالأصح جلدة نعاقب بها أنفسنا كلما تعثرنا قليلا في صياغة قرار جماعي لصالح الأمة. الأمة بخير، والكبوة ستزول. ولكل دولة عربية مواقفها المشرفة وان كانت تلك المواقف متباينة وعلى طريقتها الخاصة.
هل ينكر أحد الدور العربي القومي الذي لعبته المملكة العربية السعودية من أجل أمتها؟ أرض الحرمين الشريفين قبلة المسلمين أجمعين، هي أيضاً قبلة التصالح والتضامن والدعم، إنها أرض العطاء لكل الأشقاء.
هل ينكر أحد الدور السعودي لتجاوز آثار العدوان الإسرائيلي في يونيو 1967، والموقف الشجاع خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 ؟ لم تبخل المملكة الشقيقة بالعطاء لنجدة أشقائها في أقطار عربية أخرى، سواء في المشرق أو المغرب. بل من أرض الحرمين انطلقت المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط التي أجمع عليها كل العرب والتي صارت الخيار الاستراتيجي لأمن واستقرار المنطقة. على أرضها الطاهرة، عقد اتفاق المصالحة الفلسطينية «اتفاق مكة» الذي سيظل المرجعية الأولى للم الشمل الفلسطيني.
وأيضا، لسوريا الشقيقة، مواقفها القومية الشجاعة التي لن يغفلها التاريخ. إنها وطن التحدي والصمود في وجه المؤامرات التي تحاك ضد أمتها. وحتى إن تباينت الآراء والمواقف، فان هناك إجماعا عربيا على أن سوريا لم تساوم ولم تفرط في حق عربي. شاء قدرها أن تكون أرضها جبهة في مواجهة إسرائيل مباشرة. ورغم الإغراءات والضغوط، تتمسك بكل شبر من أرضها المحتلة.
السعودية وسوريا، شقيقان لا ينفصلان. سحابة صيف عابرة خيمت على العلاقات، ستزول بإذن الله قريبا بحكمة وحنكة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبمحبة ومودة شقيقه الرئيس بشار الأسد الذي يرفض بالتأكيد أي تجريح أو إساءة للمملكة العربية السعودية التي ستظل دوما قبلة للتضامن العربي والإسلامي على مر العصور.